الثلاثاء، 3 يونيو 2014

اللغة العربية في الجزائر

نشر من قبل Unknown  |  in اللغة العربية  21:27

خير ما نفتتح به هذا القسم مقال الإمام محمد البشير الإبراهيمي حول اللغة العربية:
"عقيلة حرّة ليس لها ضرّة"
اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة ولا دخيلة ، بل هي في دارها ، وبين حماتها و أنصارها ، وهي ممتدة الجذور مع الماضي ، مشتدة الأواخي مع الحاضر ، طويلة الأفنان في المستقبل ، ممتدة مع الماضي لأنها دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين ترحل برحيلهم وتقيم بإقامتهم ، فلما أقام الإسلام بهذا الشمال الإفريقي إقامة الأبد وضرب بجرانه فيه أقامت معه العربية لا تريم ولا تبرح ، مادام الإسلام مقيما لا يتزحزح ، ومن ذلك الحين بدأت تتغلغل في النفوس ، وتنساغ في الألسنة واللهوات ، وتنساب بين الشفاه والأفواه ، يزيدها طيبا وعذوبة أن القرآن بها يتلى ، وأن الصلوات بها تبدأ وتختم ، فما مضى عليه جيل أو جيلان حتى اتسعت دائرتها ، وخالطت الحواس والشواعر ، وجاوزت الإبانة عن الدنيا ، فأصبحت لغة دين ودنيا معا ، وجاء دور القلم والتدوين فدونت بها علوم الإسلام وآدابه وفلسفته وروحانيته ، وعرف البربر على طريقها ما لم يكونوا يعرفون ، وسعت إليها حكمة يونان ، تستجديها البيان ، وتستعديها على الزمان ، فأجدت وأعدت ، وطار إلى البربر منها قبس لم تكن لتطيره لغة الرومان ، وزاحمت البربرية على ألسنة البربر فغلبت وبزت ، وسلّطت سحرها على النفوس البربرية فأحالتها عربية ، كل ذلك باختيار لا أثر فيه للجبر ، واقتناع لا يد فيه للقهر ، وديمقراطية لا شبح فيها للاستعمار ، وكذب وفجر من يسمي الفتح الإسلامي استعمارا ، وإنما هو راحة الهم الناصب ورحمة من العذاب الواصب ، وإنصاف للبربر من الجور الروماني البغيض.
من قال إن البربر دخلوا في الإسلام طوعا فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية عفوا ، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة وواقعا ، لا يمكن الفصل بينهما ، ومحاول الفصل بينهما كمحاول الفصل بين الفرقدين .
ومن شهدأن البربرية ما زالت قائمة الذات في بعض الجهات ، فقد شهد للعربية بحسن الجوار ، وشهد للإسلام بالعدل والإحسان ، إذ لو كان الإسلام دين جبرية وتسلط لمحا البربرية في بعض قرن فإن تسامح ففي قرن.
إذا رضي البربري لنفسه الإسلام طوعا بلا إكراه ، ورضي للسانه العربية عفوا بلا استكراه ، فأضيع شيء ما تقول العواذل ، واللغة البربرية إذا تنازلت عن موضعها من ألسنة ذويها للعربية لأنها لسان العلم وآلة المصلحة ، فإن كل ما يزعمه المبطلون بعد ذلك فضول .
إن العربي الفاتح لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعه العدل ، وجاء بالعربية ومعها العلم ، فالعدل هو الذي أخضع البربر للعرب ، ولكنه خضوع الأخوة ، لا خضوع القوة ، وتسليم الاحترام ، لا تسليم الاجترام ، والعلم هو الذي طوّع البربرية للعربية ، ولكنه تطويع البهرج للجيدة ، لا طاعة الأمة للسيدة.
لتلك الروحانية في الإسلام ، ولذلك الجمال في اللغة العربية ، أصبح الإسلام في عهد قريب صبغة الوطن التي لا تنصل ولا تحول ، وأصبحت العربية عقيلة حرة ، ليس لها بهذا الوطن ضرّة. الشيخ البشير الإبراهيمي
نشرت في العدد41 من جريدة البصائر ، 28 جوان سنة 1948.

0 التعليقات:

Blogger Template By: Bloggertheme9